بحث متكامل عن الصلاة
الصــلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم. وهي العبادة المعروفة، ذات الركوع والسجود والقيام وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم.
مشروعيتها
الصلاة لا يتم إسلام المرء إلا بها، وقد ذُكِرَتْ في أكثر من مائة آية قرآنية وفي مئات الأحاديث النبوية الشريفة. .
هي ركن من أركان الإسلام كما جاء في الحديث (بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً) رواه البخاري ومسلم.
ولا يتم إسلام المرء إلا بها. ذُكرتْ في أكثر من مائة آية قرآنية وفي مئات الأحاديث النبوية، بَيْن أمرٍ بها وثناء عليها وبيان لقدرها وثوابها. وقد ورد في الحديث (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم. وشُرعتْ الصلاة لربط الإنسان بربه دون وسائط.
تجب الصــلاة على المسلم العاقل البالغ، ويُؤمَر بها الصغير من عمر سبع سنوات ليـعتادها. ويـُـؤمَـر الكافـر بالإســلام أولاً ثـم بالصـلاة لأنـها لا تصح من كافـر.
أنواع الصلاة
تعليم الأطفال كيفية أداء الصلاة يجب أن يكون منذ الصِّغر.
صلاة الفروض. الفرض هو المكتوب الذي لا يُزاد عليه ولا يُنقص منه، يُثاب فاعله ويعاقب تاركه. والفروض تشمل الصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة.
الصلوات الخمس المفروضة هي:
صلاة الفجر أو صلاة الصبح. ركعتان جهريتان يُقرأ فيهما فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن. ووقتها من انبلاج النور الذي لا يخفى حتى طلوع الشمس.
صـــلاة الظــهر. أربـع ركعات سريـة، يُقــرأ في الأوليــين الفاتحـة وما تيـسر من القرآن، وفي الأُخيرتين فاتحة الكـتاب فقـط. ووقت الظــهر من زوال الشمــس عن كبد السماء قليلا إلى أن يصير ظل كل شيء مثله.
صلاة العصر. أربع ركعات تؤدَّى مثلما تؤدى صلاة الظهر. ووقـت العصر منذ أن يصير ظل كل شيء مثله حتى قبيل غـروب الشمس. ويـكـره تأخـيرها إلى اصفرار الشمس إلا بعذر.
صلاة المغرب. ثلاث ركعات؛ يُجهر بالأوليين ويُقرأ فيهما بالفاتحة، وما تيسر من القرآن، ويُقرأ سرًا في الثالثة بالفاتحة فقط. ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
صلاة العشاء. أربع ركعات؛ يُجهر في الأوليين بالفاتحة وما تيسر من القرآن، ويُسرُّ في الأخيرتين بالفاتحة. ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، ويُكره تأخيرها إلى الثلث الأخير من الليل إلا بعذر.
توقيت الصلوات ورد في حديث جبريل وإمامته بالنبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما.
صلاة الجمعة. لصلاة الجمعة حكم خاص: فهي ركعتان جهريتان يُقرأ فيهما الفاتحة وما تيسر من القرآن. وتسبقهما خطبتان بينهما جلسة خفيفة. فيهما بيان للأحكام وتذكير للقلوب والأفهام، ووصايا بتقوى الله والثناء عليه. وقتها وقت صلاة الظهر من يوم الجمعة، ويفضل التبكير في الذهاب إلى المسجد. ومن صلى الجمعة كفته عن صلاة الظهر. ومن فاتته الجمعة صلى الظهر أربعًا. وتجب صلاة الجمعة على المسلم الذكر الحر العاقل البالغ المقيم.
صلاة الجنازة. لها حكم خاص: فهي تكون على الميت الموجود كل جسده أو أكثره، وإلا فيُصلّى عليه صلاة الغائب. وهي أربع تكبيرات يُقرأ بعد الأولى بفاتحة الكتاب، وبعد الثانية بالصلاة الإبراهيمية، بأن يقول المصلي "اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد". وبعد الثالثة الدعاء للميت، وللمسلمين، وبعد الرابعة سكتة قصيرة ثم تسليم. تُصلّى صلاة الجنازة جماعة فإن لم يكن ففرادى، في العراء أو في المساجد. ولا ركوع فيها ولا سجود، ولا أذان لها ولا إقامة. وهي فرض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط التكليف عن الباقين. انظر: الجنازة.
صلاة السفر. الإسلام دين اليسر، والسفر قطعة من العذاب، كما في الحديث. وقد خفف الله على العباد فأباح الإفطار في رمضان للمسافر والمريض (ولكن بشروط خاصة )، وخفف في الصلاة فجعل صلاة السفر ركعتين سوى المغرب لحديث عائشة رضي الله عنها: (فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر) متفق عليه. وزاد أحمد: ¸فإنها كانت ثلاثًا إلا المغرب·.
صلاة الخوف خفف الله عن العباد في حال الخوف والرهبة ولقاء العدو في الحرب، فشرع قصر الصلاة. قال تعالى: ﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾ النساء : 101 .
وإذا صلَّت جماعة في حال الخوف يصلي الإمام بطائفة من الجند ركعة، ثم يقف ويذهبون للحراسة، ويأتي من كانوا يحرسون فيصلون ركعة مع الإمام ويجلس هو، ويتمون صلاتهم. انظر: الجهاد.
يجوز جمع الصلوات مثل الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وذلك في حالات السفر، وفي عرفة ومزدلفة، وفي حالة نزول المطر الغزير وذلك على رأي جمهور العلماء.
صلاة الجماعة فضِّلت صلاة الجماعة ـ بإمام يؤمهم ـ على المنفردة بسبع وعشرين درجة وذلك لحكم كثيرة. ففيها هيبة للمسلمين، وهي تورث التعارف والمودة والعلم والرحمة، والتكافل بين المسلمين.
ويصلح للإمامة أهل العلم والقرآن والفضل، ولا تصلح الصلاة وراء أهل الضلالة والجهالة، ولا وراء من يلحن لحنًا ظاهرًا بالقراءة، أي يُخطئ في اللغة والإعراب. أو يعبث بثيابه أو يتنحنح لغير عذر. ولا تصح صلاة العَالِم وراء الجاهل، ولا الرجل وراء المرأة. انظر: الإسلام. وتنعقد الجماعة باثنين أحدهما الإمام، ولو كان مع الإمام امرأة أو صبي عاقل فصلاتهما جماعة.
وصلاة الجماعة سنة مؤكدة، وهي من شعائر الإسلام يُحارب أهل بلدة إذا تركوها، وقد توعَّد النبي صلى الله عليه وسلم المتخلف عنها كما في رواية البخاري ومسلم. ومن فضائلها زيادة الثواب والأجر. قال صلى الله عليه وسلم(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ (الفرد) بسبع وعشرين درجة) رواه البخاري ومسلم.
تُصلى الفروض كلها جماعة، وكذا صلاة العيدين وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء والتراويح. ويجوز أداء النوافل جماعة وتسقط الجماعة، أي وجوبها أو تأكيد طلبها أو المواعيد عليها عن المرأة والعبد والصبي، لكن يثابون عليها إذا تيسرت لهم.
صلاة السُنَّة هي ما رغَّب فيها الشارع، ويثاب فاعلها ويستحق اللوم والاستنقاص تاركها. وهي سياج واقٍ يَجْبُر الخلل الحاصل في الفروض. وهي نور لأصحابها ترفع درجاتهم في الآخرة، وتسبب لهم التوفيق في الدنيا. وتكون صلاة السنة راتبة وغير راتبة.
السنن الراتبة. هي سنن الصلوات الخمس والوتر. وهي ركعتان قبل فريضة الفجر، وأربع قبل فريضة الظهر وأربع بعدها أو اثنتان واثنتان، وأربع قبل العصر ـ وفي التزامها خلاف ـ واثنتان بعد فريضة المغرب، واثنتان بعد فريضة العشاء. وأما الوتر فهو آكد السنن لما روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) وهو إن لم يدل على الوجوب ـ كما ذهب إليه بعض الفقهاء ـ يدل على تأكيد سنيّته. وأقله ركعة ولا حد لأكثره يسلم من كل شفع ثم يـوتر.
أما سنة الضحى فهي ركعتان أو أربع أو أكثر شفعًا شفعًا أي (ركعتين ركعتين).وأقلها ركعتين وأكثرها إثني عشر ركعة وقتها بعد ارتفاع الشمس قليلاً وحتى قبيل الزوال.
وأما صلاة العيدين فهي ركعتان جهريتان، وقتهما وقت الضحى من يوم عيد الفطر، الأول من شوال، ويوم عيد الأضحى العاشر من ذي الحجة. وتعقبهما خطبتان تُبيَّن فيهما أحكام الشريعة من صيام وصدقة ومناسك، ويُثنى فيهما على الله ويُشكر على ما أنعم وهدى. صلاة العيدين من شعائر الإسلام وتصلى في العراء، وهو الأفضل، وإن كان ثمة عذر صُليتْ في المساجد. وصورتها؛ التكبير والاستفتاح، ثم سبع تكبيرات، بعد كل تكبيرة يقول المصلي "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". ثم الفاتحة وسورة. وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات يذكر بعد كل تكبيرة ما ذُكر في الركعة الأولى. وبعدها الفاتحة وسورة أو ما تيسر من القرآن في الركعتين ويسن أن يخرج لها الرجال والنساء والأطفال.
وأما صلاة الاستسقاء فهي ركعتان جهريتان تعقبهما خطبة واحدة تبدأ بالتكبير، ويذكر فيها الخطيب بوجوب التوبة والاستغفار، ويُلح المصلون جميعًا في الدعاء بتضرع، وكذلك تُغيَّر هيئة الثياب كناية عن المسكنة وإمعانًا في إظهار اللجوء إلى الله. وتُصلى في العراء، ولا بأس أن يشهدها من ليس من أهلها من الصغار والنساء الحُيَّض.
وتكون صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض وتأخر نزول المطر، فيفزع الناس إلى الصلاة تائبين خاشعين مسترحمين. وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الاستسقاء ودعا ربه، وأغيث المسلمون.
وأما صلاة الكسوف والخسوف، فإنها تؤدّى إذا كَسفت الشمس، أو خَسف القمر. انظر: الكسوف والخسوف. (وهما لا يُكسفان لموت أحد أو لحياته) فيفزع الناس إلى الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاّها. وتصلّى جماعة أو فرادى. وهي ركعتان جهريتان يقرأ المصلي في الأولى الفاتحة وسورة طويلة، ويركع ويطيل في الركوع، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة وسورة، ويطيل، ولكن دون القراءة الأولى. ثم يركع ويرفع ويسجد ويطيل. ثم يفعل في الركعة الثانية ما فعل في الأولى ولكن بقراءة دون الأولى، ثم يتشهد ويسلم. فهي ركعتان بأربعة ركوعات وأربع سجدات.
السنن غير الراتبة: قيام الليل، والتراويح، وصلاة الطهارة، والتطوع، والحاجة، والاستخارة، والشكر وسجود التلاوة وصلاة السفر، إذا أراد المسلم أن يشرع في سفر وإذا قدم من سفر ـ والتنافس في القُرُبات.
أما قيام الليل فهو القيام للصلاة ويفضل أن تكون من نوم بعد صلاة العشاء وأفضله الثلث الأخير من الليل. وقد كان مفروضًا على المسلمين في أول الأمر، فخفف الله عنا وجعله نافلة وظل واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) . رواه مسلم. ومقدار القيام ثماني ركعات ويتبعها الوتر ثلاث ركعات. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة...) رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالى: ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون¦ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ﴾ السجدة: 16، 17 .
وأما التراويح فهي ما شرع من الصلاة في رمضان انظر: الصوم. تُصلّى بعد صلاة العشاء. وتُصلَّى جماعة أو فرادى. وقد جمع عمر الناس على قارئ واحد في المسجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك الصلاة بالناس جماعة في التراويح لئلا يحسبها الناس فريضة.
صلاة التراويح ثماني ركعات، أو عشر، أو اثنتا عشرة أو عشرون. وقال مالك: ست وثلاثون. وكل ركعتين بتسليمة، وبعد كل تسليمتين ترويحة ـ جلسة واستراحة ـ وتُصلى جهرية، ويقرأ فيها بعض الأئمة القرآن كاملاً في الشهر.
أما صلاة الطهارة فهي أن يتنفل الإنسان بركعتين أو بما شاء الله له من الصلاة بعد أن يتوضأ أو يغتسل.
وأما التطوع فصلاة ركعتين بين أذان المغرب والإقامة وبين أذان العشاء وإقامته كذلك، للحديث: (بين كل أذانين صلاة لمن شاء) . رواه مسلم. وكذا في أي وقت سوى الأوقات المكروهة.
وتكره صلاة النافلة بعد فريضة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد فريضة العصر حتى تغرب. وتكره الصلاة أثناء طلوع الشمس حتى ترتفع، وأثناء اصفرارها حتى تغيب. وأما الفرض الذي لم يؤد كالعصر فإنه يؤدى دون كراهة مع الاصفرار إذا كان التأخر بعذر، والله أعلم.
وأما صلاة الحاجة فهي أن يلجأ الإنسان إلى ربه فيصلي ركعتين ويطلب من الله أن يزيل عنه همًا أو يحقق له خيرًا.
وأما الاستخارة فهي أن يصلي العبد ركعتين ـ من غير الفريضة ـ ثم إذا فرغ منها طلب من الله أن يوفقه لخير الأمرين وأن يرضيه بما يكتب له. وذلك إذا أراد الإنسان أن يُقْدِم على أمر جديد من شراء أو زواج أو عمل. ويقول (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمرـ ويسمي حاجته ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ ويسمي حاجته ـ شر لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاصرفه واصرفني عنه ثم اقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به )
أما سجود الشكر فيسن إذا نجا المسلم من شدة، أو تمت له نعمة، لما روي عن أبي بكرة، رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يَسُرُّه خر ساجدًا شكرًا لله تعالى) رواه أبو داود وابن ماجه. وكذا ورد سجود كعب بن مالك لما أنزل الله توبته.
وأما سجود التلاوة فيُسن فيه أن يسجد المسلم إذا قرأ آية السجدة، أو كان يستمع إلى قارئ وسجد القارئ. وسواء أكانا في الصلاة أم خارجها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال : (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: إذا السماء انشقت، و اقرأ باسم ربك). رواه مسلم. والسجدات في القرآن كله خمسة عشر موضعًا من القرآن الكريم. وسجود التلاوة هو سجدة واحدة على هيئة سجود الصلاة.
وتكون صلاة السفر إذا أراد أن يبدأ سفرًا أو عاد منه، فيُستحبُّ أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويسأل الله من فضله.
ويستحب أن تكون صلاة القدوم من السفر بالمسجد، فيصلي المسلم ركعتين لحديث كعب بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه). رواه مسلم وغيره.
صلاة أصحاب الأعذار. الإسلام دين الرحمة، ولا يكلِّف الله نفسًا إلاَّ وسعها، فرخص للمريض والعاجز والمسافر والخائف بأمور. والله يحبّ أن تُؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه. ومما رخَّص به : 1- يَسقُط عن المريض القيام والركوع والسجود إن كان يتضرر بذلك فيتألم أو يزيد المرض، أو يتأخر الشفاء. للحديث (صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا من ألم - متفق عليه. ويومئ صاحب العذر بالركوع والسجود، ولو عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطرفه ـ عينه ـ ولا تسقط الصلاة ما دام عقله معه. 2- تسقط عن المريض الجُمع والجماعات والأعياد. 3- يسقط عن العاجز استقبال القبلة، كما لو كان على راحلة لا تطاوعه، أو كانت مقطورة بقافلة، ويلزمه التوجه للقبلة في ابتداء الصلاة، ولو تحولت الراحلة بعد ذلك لا يضر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. 4- يسقط عن العاجز شرط طهارة المكان وستر العورة إن كان محبوسًا في مكان نجس، أو جُرِّد من ثيابه. كما يسقط عنه شرط الطهارة إن لم يجد ماء ولم يتمكن من التيمم.
صلاة القضاء. إذا نام إنسان عن الصلاة أو نسيها حتى خرج وقتها فإنه يصليها إذا ذكرها في غير وقتها كما يصليها في وقتها. وهناك صلاة الإعادة. وتكون حال وقوع الصلاة غير مستوفية للشروط أو الأركان، كأن تبين له عدم الطهارة أو عدم الإتيان بركن من الأركان. فحينئذ يجب إعادة الصلاة. وتسمى الصلاة الثانية: صلاة الإعادة.
شروط الصلاة
للصلاة شروط منها ما هو شرط وجوب، ومنها ما هو شرط صحة.
شروط الوجوب. هي العقل والبلوغ. وهما مناط التكليف في العبادات كلها، فلا تجب الصلاة على صغير ولا على مجنون. وقد فرض الله الصلاة على عباده جميعًا ولكن الكافر لا تصح منه فيُؤمر بالإيمان أولاً ثم الصلاة. ولا تسقط عن عاقل بالغ في سفر ولا حضر ولا مرض إلا عن المرأة أيام حيضها ونفاسها.
شروط الصحة. هي دخول الوقت، والطهارة من الحدث، وستر العورة، والطهارة من النجاسة، واستقبال القبلة، والنية.
دخول الوقت. لا تُصلى الصلاة قبل وقتها لحديث جبريل حين صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس. كل صلاة في وقتها.
الطهارة من الحدث. جاء في الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه. وإذا كان حدثًا أكبر ـ جنابة أو حيضًا أو نفاسًا ـ فيلزم له الغسل. وتكون الطهارة بالماء الطاهر، فإن لم يوجد أو لم يمكن استعماله فبِالتراب الطاهر. والطهارة غُسل ووضوء وتيمم.
ومعنى الغُـسْلُ تعميم البدن بالماء، وهو مشروع في أشياء كثيرة، منها مثلاً: الجنابة، لقوله تعالى: ﴿ وإن كنتم جنباً فاطهروا﴾ المائدة: 6 . وموجباته: 1- خروج المني. 2-التقاء الختانين. 3- انقطاع دم الحيض والنفاس. (ويحرم على أصحاب هذه الحالات الثلاث الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله والتلاوة والبقاء في المسجد). 4- الموت. 5- الكافر إذا أسلم. وأركانه: النية وغسل جميع الأعضاء. وكيفيته: أن يتوضأ الإنسان وضوء الصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض الماء على بقية جسده مبتدئاً بالميامن قبل المياسر، كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم. والغسل الواحد يجزئ عن أكثر من موجب، فيكفي مثلاً غسل واحد لجنابة وصلاة عيد وصلاة جمعة، إذا صادف العيد يوم الجمعة. ومن الأغسال المستحبة: الغسل للجمعة، والغسل للعيدين، وغسل الإحرام، وغسل دخول مكة، وغسل الوقوف بعرفة. وزاد بعض الفقهاء غسل من غسل ميِّـتاً، وغسل الإغماء، وغسل مزدلفة، وغسل دخول المدينة المنورة.
وأما الوضوء فهو غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين. والوضوء الأكمل هو وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وهو: غسل اليدين إلى الرُسْغين ثلاثًا، ثم المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، ثم غسل الوجه ثلاثًا، ثم غسل اليدين اليمنى فاليسرى إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح الرأس واحدة، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين ثلاثًا.
وللوضوء سنن أخرى زيادة عن هذه الأركان وهي أشمل وأكمل للثواب
وأما التيمم فهو ضربة بالكفين على التراب الطاهر، ثم ينفضهما وينفخ فيهما، ثم يمسح بهما وجهه ثم يمسح يديه إلى المرفقين، أو ضربة للوجه وأخرى لليدين، ويكون التيمم طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء، أو عند العجز عن استعمال الماء لمرض أو خوف من مرض أو غلاء سعر الماء.
إلا أن التيمم لا تجوز به إلا صلاة واحدة ثم يجدده للصلاة الثانية. بخلاف الوضوء الذي تجوز به أكثر من صلاة.
يُجزئ التيمم عن الوضوء كما يُجزئ عن الغسل، قال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبًا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ﴾ المائدة: 6 .
والتيمم مما اختص الله به هذه الأمة كما جاء في الحديث: (أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهن أحد قبلي، نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة) متفق عليه من حديث جابر.
ستر العورة. والعورة هي الأمر المستقبح أو المنتقص، مما لا يحِبُّ الإنسان السوي أن يطّلع عليه أحد. والمقصود هنا ما يجب ستره في الصلاة، بما لا يصف ولا يشف. والستر صفة بني آدم المتحضرين وكشف العورات صفة الهمج.
وعورة الرجل ما بين السرة والركبة. ولكن يُستحب ستر سائر البدن سوى الوجه والكفين والقدمين، ويستحب في الصلاة لبس أنظف الثياب وأجودها. وعورة المرأة كل بدنها سوى الوجه والكفين في الصلاة.
الطهارة من النجاسة المادية. ويُقصد بها طهارة الثوب والبدن والمصلَّى من النجاسة كبول أو خمر أو دم أو قيء. لقول ا تعالى : ﴿ وثيابك فطهر﴾ المدثر : 4 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة) رواه أبو داود. ونهى أن يُصلى في المزبلة. وللحديث (أنصلِّي في مَبارِك الإبل؟ قال: لا) رواه مسلم.
استقبال القبلة. وهو التوجه بالصدر والوجه ومتابعة القلب تلقاء البيت الحرام. قال تعالى: ﴿ وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ البقرة : 144 .
النِّيّة. وهي القصد ومحلها القلب. والمقصود أن ينوي صلاة بعينها. والنية ينبني عليها الفعل وأثر الفعل من فرض أو سنة، ومن عمل خالص إلى رياء، مع أن المظهر واحد.
أركان الصلاة
1 ـ النية. 2ـ التكبيرة الأولى وتسمى تكبيرة الإحرام. 3ـ القيام للقادر في الصلاة المفروضة. 4ـ قراءة الفاتحة. 5ـ الركوع، وهو الانحناء إلى الأمام بوضع اليدين على الركبتين. 6 ـ الاعتدال من الركوع. 7ـ السجود مرتين في كل ركعة ويكون السجود على الجبهة واليدين والركبتين والقدمين. 8ـ الجلوس بين السجدتين مع طمأنينة. 9 ـ الجلوس الأخير. 10 ـ التشهد في الجلوس الأخير . 11- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير. 12- التسليمة الأولى . 13 - ترتيب هذه الأركان حسب ورودها هذه ركعة ـ والتشهد الأخير يكون بعد ركعة واحدة كما في صلاة الوتر وبعد ركعتين إذا كانت الصلاة ثنائية ـ كصلاة الصبح. وبعد ثلاث ركعات إذا كانت الصلاة ثلاثية كصلاة المغرب. وبعد أربع ركعات إذا كانت الصلاة رباعية كصلاة الظهر والعصر والعشاء.
وإذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ففيها تشهد بجلوس بعد كل ركعتين وهذا التشهد يسمى التشهد الأول وليس التشهد الأول ركنًا من أركان الصلاة.
هذه هي أركان الصلاة التي تصح بها وتبطل إذا سقط أحد أركانها.
وتبدأ الصلاة بالنية والتكبير مع رفع اليدين. ويقرأ المصلي دعاء الاستفتاح ثم الفاتحة وما تيسر من القرآن في الركعتين الأوليين، وفي الأخيرتين بالفاتحة فقط، هذا في الفرائض. وأما في السنن فيقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن في الصلاة كلها، ثم الركوع مع التكبير. والنهوض من الركوع مع قول ـ سمع الله لمن حمده ـ للإمام والمنفرد أما المأموم فيقول: ـ ربنا ولك الحمد ـ ثم السجود، والنهوض من السجود ثم السجود ثانية، ثم القيام للركعة الثانية، وهي كالركعة الأولى. ثم يقعد بعد السجود ويقرأ التشهد ثم السلام.
إذا كانت الصلاة ثُلاثية أو رباعية قام المصلي فأتى بما بقي من الركعات بعد التشهد الأول، ثم قعد وتشهد ثانية وسلم. هكذا نقل الصحابة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
سجود السهو
إذا نسي المصلي شيئًا من السنن في الصلاة كالقعود الأول للتشهد الأول؛ أو نسي ركنًا ثم جاء به أو زاد في الصلاة شيئًا عن طريق الخطأ؛ فإنه يسجد سجدتين قبل السلام ثم يسلم ولو سجد بعد السلام جاز، ويسمّى هذا بسجود السهو
منقول ..~